تأملات في سورة العنكبوت







تأملات في سورة العنكبوت 







وقفات تدبرية في سورة العنكبوت بقلم موقع إسلاميات:

سورة العنكبوت مكية وموضوعها العقيدة في أصولها الكبرى الوحدانية الرسالة البعث والجزاء ومحور السورة الكريمة يدور حول الإيمان وسنّة الابتلاء في هذه الحياة لأن المسلمين في مكة كانوا في أقسى أنواع المحنة والشدة ولهذا جاء الحديث عن موضوع الفتنة والابتلاء في هذه السورة مطولا مفصلا وبوجه خاص عند ذكر قصص الأنبياء.

يقول سيد قطب في الظلال: “والسورة كلها متماسكة في خط واحد منذ البدء إلى الختام. إنها تبدأ بعد الحروف المقطعة بالحديث عن الإيمان والفتنة وعن تكاليف الإيمان الحقة التي تكشف عن معدنه في النفوس. فليس الإيمان كلمة تقال باللسان ، إنما هو الصبر على المكاره والتكاليف في طريق هذه الكلمة المحفوفة بالمكاره والتكاليف.”

ومن تأملي لآيات السورة سجّلت هذه الوقفات:

1. السورة من بدايته إلى نهايتها تتحدث عن أمور كلها تستدعي جهادًا فقد افتتحت بالحديث عن فتنة الناس في حياتهم الدنيا وهذه الحياة والفتن تستوجب جهادًا للنفس لجعلها طائعة لأوامر الله تعالى سائرة على شرعه متجنبة لنواهيه في كل أمور الحياة الدنيا (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ﴿٢﴾ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴿٣﴾) وتكرر في السورة ذكر (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) والإيمان والعمل الصالح لا يأتيان إلا بمجاهدة عظيمة للنفس على مدار العمر كله فلو فتر العبد في إيمانه وتوقف عن الاستزادة منه ومن الصالحات فقد يفتتن وينحرف عن الصراط المستقيم.

2. وذكرت السورة الوصية بالوالدين (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٨﴾) والإحسان للوالدين يحتاج جهادًا للنفس وصبرًا للقيام بحقوقهما والبر بهما حتى لو جاهداك على الإشراك بالله تعالى فيبقى حقهما البرّ والإحسان إليهما مع عدم طاعتهما فيما لا يرضي الله تعالى.

3. وخصّت هذه السورة تحديدًا بذكر تفصيل في قصة نوح لم يرد في القرآن إلا فيها وهو مدة لبثه في قومه (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴿١٤﴾) وهذه المدة الطويلة إن لم تكن رمزًا للجهاد فماذا تكون؟ فما أعظم تناسب آيات القرآن مع مقصد السورة التي وردت فيها!

4. ولعل من تناسب تسمية السورة بالعنكبوت وذكر مثل العنكبوت فيها مع موضوع الجهاد والله أعلم أن حركة العنكبوت في نسخ بيتها هي حركة مستمرة تحتاج لجهد وصبر حتى تستكمله ولو تأملنا عنكبوتًا وهي تنسج بيتها لعرفنا معنى الجهد المبذل والحركة المستمرة للحصول على ما تريده في النهاية ولكن هذا الجهد والتعب كله يذهب بأدنى حركة فيصبح واهيًا وهذا لمثل الذي ضُرب في الآية ينبغي أن يكون تنبيهًا لكل من يجاهد طول عمره في الباطل فهو على رغم حركته وجهده الدائم إلا أنه في النهاية سيكون هذا جهده وجهاده في باطل واهي لا يثبت أمام عظمة الحق وسطوعه وثباته.

5. وذكر في السورة (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴿٤٥﴾) فتلاوة القرآن وإقامة الصلاة ما هي إلا جهاد للنفس وهي تحتاج للصبر خاصة أن هذه الصلاة ينبغي أن تنهى عن الفحشاء والمنكر ولهذا لا بد أن يكون جهاد النفس فيها أصعب والصبر أشدّ فهذه ليست صلاة تأدية حركات خالية من معانيها وخشوعها.

6. وورد في السورة أن أرض الله واسعة (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ﴿٥٦﴾) فكل من يؤذى في سبيل الله في مكان ما عيله أن يجاهد في سعيه لإعلاء كلمة الحق فإن ضاقت عليه أرض ما فأرض الله واسعة والهجرة هي من أكثر ما يظهر فيه الجهاد لأنه يحتاج إلى قوة إيمان وثبات وعقيدة وصبر على ما يلاقيه المجاهد في سبيل الله من عقبات. ولعله من التناسب في السورة مع مقصد الجهاد قوله تعالى (فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٢٦﴾) هذه الجزئية من قصة إبراهيم ولوط عليهما السلام لم ترد إلا في هذه السورة (إني مهاجر).

7. وورد في السورة الدعوة لعدم مجادلة أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿٤٦﴾) وهذه أيضًا تحتاج لجهاد للنفس لتحمل أذى سماع افتراتهم وشبهاتهم ثم الصبر على مجادلتهم بالحق وبالتي هي أحسن وهذه أشق على النفس خاصة مع المعارضين.
هذا والله تعالى أعلى وأعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق